• ٢٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

أسحار رمضانيّة/ج13

نــزار حيدر

أسحار رمضانيّة/ج13

(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ).

   لا يختلف الإنسان عن الحيوان بالخِلقة، فلكلِّ منهما (قلبٌ وعين ٌوأُذن) وإنما يختلف الأول عن الثاني بالجوهر، ألا وهو العقل، فبينما يهتدي الإنسان لعمل الخير بعقله، يهتدي إليه الحيوان بفطرته التي يسميها القرآن الكريم بالوحي، كما في قوله تعالى: (وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ* ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

   وفي الآية إشارة إلى أنّ القلب، وربما المقصود به النية المعقودة بيقين، والعين والأذن، هي مصادر التغذية للعقل، فإذا تم تفعيلها وتنشيطها بشكل سليم وصحيح، فإنّ العقل سيعمل بشكل سليم وصحيح، اما إذا لم يوظّفها الإنسان بالشكل السليم، فإنّ العقل سيمرُض ولا يُنتج المطلوب منه والذي ينبغي أن ينتهي بالعمل الصالح، ولهذا السبب تصف الآية المباركة بعض الناس على انّهم يمتلكون (القلب والعين والأذن) من ناحية الخَلق، الناحية الفسيولوجية، إلا انهم لا يفقهون ولا يبصرون ولا يسمعون، كيف؟.

   أولاً: فعندما لا يتعامل الإنسان مع الفكر بشكل سليم، فيبحث عن التوافه ولا يعير إهتماماً للفكرة الحقيقية، يقبل بأن يكون طبالاً في جوقة القائد الضرورة، عندها يكون من مصاديق الآية الكريمة، كما يقول تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ).

   ثانياً: وعندما يرفض أن يصغي إلى الحقيقة من أجل أن يؤمن بها، فتراه يهرب منها مستكبراً ومعانداً، إما لمصلحة شخصية أو خوفاً على منافع يستفيدها من القائد الضرورة، أو خوفاً من جلاوزة السلطة، عندها، كذلك، سيكون مصداق الآية المباركة، ولهذا المعنى أشار القرآن الكريم بقوله: (وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ).

   ثالثاً: أولئك الذين يتجاهلون قول الحقِّ، ويتغافلون عنه، لحاجة في أنفسهم، الذين يصغون بآذانهم ويرفضون بقلوبهم، أولئك، كذلك، مصداق الآية الكريمة، وهم يظنّون انهم يخادعون الله والذين آمنوا (وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) ولقد تحدث عنهم القرآن الكريم بقوله: (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ).

   رابعاً: وإنّ للحُجُب التي يضعها الإنسان على قلبه وسمعه لها دورٌ كذلك في أن يكون مصداق الآية الكريمة، فلقد تحدّث القرآن الكريم عن ذلك بقوله: (وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ).

   خامساً: فإنّ للتزمت والعصبيّة والعناد والإصرار على الباطل واتباع الهوى حد العبادة ليتحكم بالعقل بشكل مطلق، كلها عوامل تحوّل الأعضاء الثلاثة المذكورة في الآية المباركة إلى مجرد أشكال وأحجام ليس لها أي معنى أو فائدة، فيكون المرء مصداق الآية، كما يتحدث القرآن الكريم عن ذلك بقوله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ).

   وإنّ من هذه الحجب تقديم المصالح الحزبية والفئوية على الصالح العام، ومنها الخوف وعبادة الشخصية والتقليد الأعمى، انّ كلّ ذلك، وغيره، تعتبر حجباً تسلب العقل التفكير الحر، وتمنحه إجازة مفتوحة، فينتهي دوره في حقيقة الأمر.

   سادساً: كما انّ للمِراء دور في ذلك، على حد قول أمير المؤمنين (ع): "فَمَنْ جَعَلَ الْمِرَاءَ دَيْدَناً لَمْ يُصْبِحْ لَيْلُهُ" وكذا التعنّت في السؤال، عندما نصح سائلٌ بالقول: "سَل تَفَقُّهاً وَلاَ تَسْأَلْ تَعَنُّتاً، فَإِنَّ الْجَاهِلَ الْمُتَعَلِّمَ شَبِيهٌ بِالْعَالِمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ الْمُتَعَسِّفَ شَبِيهٌ بِالْجَاهِلِ الْمُتَعَنِّتِ".

   اما إذا اجتمعت كلّ هذه في واحد، فيصدُق عليه قول الله تعالى في محكم كتابه الكريم (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ* إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ* وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ).

   وكلّ رمضان وأنتم بخير.

 

ارسال التعليق

Top